لم يكن غريبا على المناضل احمد سعدات الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أن يسجل الموقف الذي مثله على مدار جلسات المحاكم التي خصصت لمحاكمته ، إن كان على صعيد رفضه الاعتراف بالمحكمة والقضاء الإسرائيلي وعدم الوقوف للمحكمة وما تمثله من امتداد طبيعي لأدوات الاحتلال والفاشية العنصرية واللاشرعية ورفضه الدفاع عن نفسه من خلال محامي الدفاع كمتهم . ومنذ اللحظة الأولى لاعتقاله تعامل سعدات مع قضيته كقضية وطنية عامة انصهر فيها مع قضايا وهموم شعبه الوطنية والسياسية وسجل في تاريخ فلسطين الحديث مدرسة جديدة في التعاطي مع القضاء الإسرائيلي الغاشم والظالم كظلم الكيان الذي تمثله عبر كافة الممارسات الوحشية التي يمارسها هذا الكيان ضد أبناء شعبنا على مدار سنوات الصراع الطويلة والمستمرة فسعدات ابن فلسطين ورمزها الرافض للاحتلال والتعاطي معه كأمر واقع لا مفر منه ، لم يفوت فرصة لإعلان وممارسة رفضه لهذا الواقع عبر سنوات كفاحه الطويلة والمستمرة ، وعدم منح الاحتلال أي فرصة للاعتراف بوجوده والحق في مصادرة حق كل فلسطيني في الدفاع عن نفسه والتعبير عن فلسطينيته بالشكل والطريقة التي يريدها انتصارا للحق الفلسطيني المسلوب والمصادر والمحروم من مزاولة حياته كإنسان له كل الحق بالعيش بحرية وكرامه فالفلسطيني في فكر المناضل احمد سعدات وما يمثله من موقع قيادي في الجبهة الشعبية والنضال الوطني الفلسطيني هو المشروع المتأصل صاحب السيادة على هذه الأرض وكل ما عداه مجرد احتلال عابر لا بد للشعب الفلسطيني والأمة العربية وكل ما حولها من قوى تقدمية وتحررية من كنسه وهزيمته ، فالتاريخ علمنا أن الاحتلال إلى زوال طال عليه الزمان أو قصر وكما عبر سعدات في مرافعته باعتباره صاحب حق في وجه المحتل ، فقد استطاع الاحتلال أن يفرض ويمارس قوانينه وأنظمته الفاشية العنصرية على أبناء الشعب الفلسطيني ولكنه لم ولن يستطيع يوما أن يوقف شلال العطاء والعنفوان المتواصل لدى هذا الشعب في صراع دامي ومفتوح لا بد له من نهاية تعطي صاحب الحق حقه وتعيد للأرض والشعب روحها وحريتها أما الأهم في كل ما جرى فان المناضل سعدات سجل موقفا كان على كل فلسطيني أن يمثله أمام قضاء الاحتلال اللاشرعي وهو الرفض التام للتعاطي معه وعدم إبداء أي احترام له وفرض الرؤية الفلسطينية المتمثلة باعتبار القضاء الإسرائيلي إحدى أدوات الاحتلال الفاعلة والساعية إلى شرعنة الاحتلال وإضفاء الصفة القانونية على إجراءاته بحق مناضلي شعبنا الفلسطيني وكثيرا ما كانت تراود هذه الفكرة والموقف العديد من المناضلين داخل المعتقلات الصهيونية وخارجها ولكن القلائل منهم استطاعوا أن يمثلوها على ارض الواقع كما مثلها المناضل احمد سعدات كما عودنا دائما في كافة المحطات والمواقف الصعبة والقاسية ، فهو واحدا من المناضلين القلائل الذين سجلوا على مدى تاريخ الحركة الأسيرة أسطورة الصمود ورفض الاعتراف أمام المحققين ولم يتوقف يوما عن العطاء والكفاح مع أبناء شعبه في كل المحطات والمراحل التي راهن فيها الكثير على السلام المزعوم ، فلم تكن بالنسبة لسعدات المواقع والمسؤوليات مجالا للارتزاق والبرستيج والتعالي في التعامل مع الجماهير فهو القائد الوفي لمن سبقه من قادة الجبهة والقوى المكافحة ، وهو القائد الذي لم يغلق يوما بوابة التواصل مع أبناء شعبه بقدر ما أتاحت له حياته الكفاحية العاصفة التي عاشها ومازال من سبل ووسائل للاتصال بالمواطنين إن كانوا رفاقا أو سياسيين أو مواطنين عاديين . فقد امتاز سعدات بحسه وروحه المتواضعة في التعامل مع الآخرين ، وقد سجل أحد أهالي الأسرى اثر زيارة له في سجن أريحا عن سعدات قائلا .. ( عندما عزمت على زيارة سعدات في سجن أريحا تملكني الشعور بالرهبة لما هو سائد عند مقابلة القادة والمسؤولين ولكن عندما جلست بالقرب من سعدات وأخذت بتبادل الحديث معه لم اعد اشعر إلا أنني جالس مع احد إخوتي وأتبادل معه الحديث بكل صراحة ووضوح ودون أي تردد وهو منصت ومستمع لي بكل ما يملك من قوى وآذان صاغية ) وكذلك يعلم كل من عاش والتقى بسعدات سواءا داخل السجون والمعتقلات أو خارجها مدى تواضع هذا المناضل وانسجامه مع فكرره وقضاياه فهو أب حنون لمن هم اصغر منه سنا وأخ كريم لكل من يربو عمره مع عمر سعدات وأبن وفي لكل من يكبره سنا فلك يا سعات منا الفخر والاعتزاز فأنت المعلم والأسطورة والواقع وأنت الدرس والموضوع وأنت الموقف والتاريخ فتحية لك ولكل من حولك من مناضلي شعبنا المدافعين الصابرين الملتصقين بقضايا وهموم شعبهم حد الانصهار .
